من أعمدة الحوار الديني السيد كمال الحيدري


الكلمة هي أساس التواصل البشري وهي من ما وهبه الله علينا , و الكثير لا يستطيع التعبير عن مكنوناته إلا بالكلمة التي ساعدت على حلّ كثير من الأمور و قضاء حوائج البشرية , بل وصلت هي الأداة الوحيدة القادرة على نشر الأديان و القيم و الدفاع عنها و إصلاح مشاكل لا يمكن إصلاحها إلا بالكلمة و إن تنوعت الكلمة بين الطيبة و الخبيثة و التي لها دور و أثر أجابي و سلبي .



الحوار في اللغة: من حاور يحاور


حاورة، وقد ورد في تاج العروس أن الحوار يعني تراجع الكلام، كما ورد في لسان العربلابن منظور تحت الجذر (حور) وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام. والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة. وقد حاوره.والمَحُورَةُ: من المُحاوَرةِ مصدر كالمَشُورَةِ من المُشاوَرَة كالمَحْوَرَةِ؛ وأَنشد:


لِحاجَةِ ذي بَتٍّ ومَحْوَرَةٍ له .... كَفَى رَجْعُها من قِصَّةِالمُتَكَلِّمِ


أما الحوار في الاصطلاح اللغوي فهو نشاط عقلي ولفظي يقدم المتحاورون الأدلة والحجج والبراهين التي تبرر وجهات نظرهم بحرية تامة من أجل الوصول إلى حل لمشكلة أو توضيح لقضية ما .(1)

 
وللحوار آداب جمة ينبغي على كافة الأطراف التحلي بها والالتزام بها حتى لا يتحول كلامهم إلى مراء أو جدال .

 
نجد من أستخدم الكلمة في الحوار لينقل دين و فكر نير و قيم راقية متحضرة تنّشل الكثير من ظل الجهل و الوهم إلى ساحة النور بل تنقلها إلى قرب الرب الجليل , ليس كل صاحب كلمة قادر على نقل كلمته بحيث تُأثر بالشكل المطلوب و تنتج الثمرة اليانعة بل هناك فئة قادرة على مسك زمام الحوار و قيادته مستخدم فيه دينه و علمه و ثقافته و الإلمام من كل جانب حتى لا نكاد نرى إسقاطاته .


من أعمدة الحوار الفكري التي تخاطب القلب و العقل مباشرة و في أفضل و أسمى صور الحوار الديني بطريقة ممنهجة بأدلة و براهين و أحجاج الطرف الأخر بما لديه ( ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ) هذه العبارة التي يكررها على مسامعنا في كل لقاءاته الحوارية



السيد كمال الحيدري حفظه الله

 
و من أطيب سلالة و أشرفها على البشرية التي أنتجت لنا عقول و منارات في كل وادي و نور لكل ضال هي سلالة سيد المرسلين و أمير المؤمنين عليهما أفضل الصلاة و السلام



ولدالسيدكمال الحيدري في مدينة كربلاء المقدسةعام1956، نشأ وترعرع في أجواء العلم والمعرفة ،أتم دراستهالابتدائية والمتوسطة والثانوية في كربلاء ، وحضر في نفس الوقت دروس التجويد وتعلمالقرآن الكريم عند ملا جاسم الحميري وهو لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره ، وكان مورداعتماد الأستاذ ، حيث كان يقوم بمهمة التدريس عند غياب الأستاذ . أهتم في الدراسةالحوزوية وهو في كربلاء حيث أكمل المقدمات على يد سماحة الشيخ حسين العثيان والشيخعلي العثيان ، بعد ذلك انتقل إلى النجف الأشرف ليواصل دراسته الأكاديمية والحوزوية .فأتم دراسته الأكاديمية في كلية الفقه حائزاً على شهادة البكالوريوس في العلومالإسلامية بدرجة امتياز عام1978ميلادية.إلى جانب الدراسةالأكاديمية فقد كان اهتمامه الديني والحوزوي يحركه بشغف وحب لحضور الدروس الحوزويةفدرس السطوح العالية على يد الأساتذة.(2)






وله سماحته مؤلفات كثيرة و منها في علم المنطق وهو


كتاب منطق الشيخ المظفر وتقع الدروس في 105 درس


علم المنطق هام في الحوار النموذجي بحيث يستطيع المحاور أن يقف على محاور الفكرة و تفنيدها و أعطاء معطياتها و يخرج بنتيجة تفيد كل المحاورين و تقنعهم لأنها قائمة على أسس صحيحة وهذا ما ينّتهجه سماحة السيد حفظه الله في حواراته العقائدية و الأفكار الإسلامية و الفلسفية






آراء بعض الطلبة و العلماء لطريقة مناقشاته العلمية داخل الحوزات .


د.أيمن المصري باحث و أستاذ في الحوزة العلمية بقم


يستعرض عادةً سماحة الأستاذ مطالب الآخرينبنحو مستوف ويقرّرها بأسلوب واضح حتّى يظنّ الطالب أنّ الأستاذ يتبنّاها ثمّ يعرضلنقدها بعد ذلك، وهذا هو مقتضى الإنصاف والموضوعيّة العلميّة.


الشيخ فضيل الجزائري باحث و أستاذ في الحوزة العلمية بقم


كان السيّد في دروسه الفلسفيّة أو العقائديّة والتفسيريّة يعرض لكلمات غيره منالأساتذة الكبار بطريقة تحليليّة عميقة بحيث لا يبقى في المسألة أيّ غموض أو إبهام،بحيث يخال الطالب أنّ السيّد يتبنّى المسألة أو الفكرة كلّية، لكن سرعان ما ينقضّعلى الفكرة بنقض وإبرام، ممّا يزيد الفكرة وضوحاً وجلاء. وهذا في تصوّرنا لا ينقصمن شأن علمائنا الكبار، باعتبارات حيثيّة الاحترام في العلم، من دون نقد الفكرةتأييداً ورفضاً يؤدّي هذا إلى إهانة الحيثيّة نفسها التي احترم العالم من جهتها. أمّا الجهة الأخلاقيّةلعلمائنا الكبار فهي محفوظة كما هي عادة الطلاّب مع أساتذتهم; فقد رأينا أستاذناالسيّد يهدم الفكر من أساس ويأتي بالبديل في المجال نفسه مع احترام كبير لصاحبالفكرة وصاحب الرأي.


فأسلوبه في نقد الأفكار ونقضه لم يخرج عن إطار ما ألفتهالحوزة العلميّة منذ سنين طويلة.


الشيخ محمد الحجّي باحث أستاذ في الحوزة العلمية بقم


في ضوء ما تقدّم في النقطة الأولى يتّضح جليّاً لنا كيفيّة الآليّة العلميّة التييتعامل بها سماحته مع الآخرين حيث يقوم وبكلّ أمانة علميّة بعرض رأي الآخر من مصدرهالمعتبر ثمّ يناقشه وفق الموازين العلميّة، ثمّ يُبرز رأيه بكلّ وضوح مع الاستدلالمع ذكر من وافقه في هذا الرأي مع احترامه للرأي الآخر، وتنسحب هذه الحالة حتّى معأساتذته الكبار أمثال الحكيم الشيخجوادي آملي والعارف الشيخ حسن زاده آملي (حفظهما الله تعالى) وغيرهم كثير.(3)






من أهم جوانب الحوارية التي تميز بها سماحة السيد حفظه الله :


1ـ إلمامه التام بعناصر الموضوعات الحوارية و على إطلاع على كل آراء و أفكار الجهات الأخرى .


2ـ تمتاز شخصيته بالمرونة و التقبل وإن أشكل عليه أحداً ما و خطأهُ فهو يقابله بالبسمة و تقبلها بسعة صدر عالية .


3ـ الألفاظ التي يستخدمها السيد في الرد راقية جداً بعيدة عن الألفاظ التي لا يرتضيها المحاور و تجذب نفسه له و الإنصات له .


4ـ احترامه لكل الأطراف المحاورة و يستشهد بأدلتها و براهينها على الرغم أنه لا يوافق عليها ألا أنه يوردها كاملة دون أي زيادة و نقصان و يحترم عقيدة الطرف الأخر .


5ـ دوماً أهداف سماحته من الحوار إصابة الحقيقة و الوصول إليه و أقناع الطرف الآخر دون أي ضغط أو تسفيه بعقيدة بل يترك لها الخيار من أمره .


6ـ البسمة و روحه الإيمانية تنطبع على وجهه نورا بحيث لا يكون للغضب نصيب منه بل في المواقف التي يتسبب الطرف الأخر في أهانته و شتمه يقابله بالتسامح و الدعاء و هذا من أسمى صفاته التي تكسر الخصم وتردعه من الداخل .


7ـ كما أشرة سابقاً لقدرة سماحته على التعبير الراقي خاصة في اللفظ و الصياغة


و استخدام كلمات فصيحة يفهمها القاصي و الداني ولا تنفر النفس بل توجب على الخصم احترامه .


8ـ صفة الحلم من أبرز صفات سماحته في الحوار وخاصة في مواقف المشادات من الخصم و التهجم عليه فهو يستمع بإنصات تام له و إعطائه الحرية في الكلام وهذا رأس الأدب الفهم و التفهم و الإصغاء إلى المتكلم .


9ـ سرعة البديهية لدى سماحته عند الرد على المحاور و تكون ردوده معتمدة على علم المنطق بما تفحم الخصم .



من أمثلة على ذلك :


 


لما السيد يحاور من بُعد مع المذاهب الأخرى؟؟

 المتعارف عليه أن المتحاورين يكونوا في مكان واحد و تفتح الجلسة الحوارية بينهم ولكن لا نرى ذلك مع سماحة السيد الحيدري حفظه الله بل لا يشترك في البرامج الحوارية المفتوحة على القنوات الأخرى لأنه يراها سقيمة في طريقة الحوار بل جدلية , وحين وجه السؤال لسماحته كان جوابه :


الشروط الذي يضعها سماحة السيد للالتزام بها للحوار معه و ينتقد الطرف الآخر في طريقة حواره

 من ثمار جهود سماحة السيد الحوارية

 



ختاماً


من هذه الشخصية العظيمة نرى نموذج الأمثل في الحوار الذي يرتقي بالمتحاورين و يخرج بالنتائج المطلوبة من فتح جلسة الحوار , بل يمثل شخصية الإسلامية النموذجية في الرد على كل متعنت و يحاور قلبه و فكره و يلزمه بما يؤمن به وهذا ما نجده في مدرسة أهل البيت عليهم السلام و سماحة الحيدري حفظه الله مما أنتجت هذه المدرسة العظمى عبر التاريخ , فمنهم نتعلم كيف نرتقي بأنفسنا و أسلوبنا في الحوار بأقصر الطرق و أجذبها للقلب و النفس حتى نمثل ما نديّن به وهو الإسلام المحمدي .


و آخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين .

*******
(1)_(2) الموسوعة الحرة ويكيبيديا
(3) كمال الحيدري قراءة في السيرة و المنهج